نونا مساعد المدير
عدد الرسائل : 98 العمر : 39 المزاج : جيد تاريخ التسجيل : 06/10/2008
| موضوع: رحلة قصة قصيرة الأربعاء أكتوبر 15, 2008 6:01 am | |
| "" رحلة " ...قصة قصيرة مصطفى الشيمى
*** الأصل هو الموت . حقيقة يتعجب الميتُ _ مثلى _ من تصرفات الأحياء . نسوا كل شىء . تركونى فى قبرى وألقوا على أكوام التراب . رغم جبل التراب الذى فوقى إلا أن صرخاتهم وبكائهم يصلان إلى أذنى بدقة . وكأن الموت يزيد من خصائص أجسادنا بقوة منه ! ولم وكأن ألا يفعل ذلك حقاً ؟! صغر سنى جعلنى أدرك أشياء كثيرة ، وصغر السن بالنسبة للميت نعمة كبيرة نتباها بها كما يتباهوا كبار السن فى عالم الأحياء بعدد التجاعيد التى تملأ وجهم ؛ هو الذى يجعل تفكيرى أقوى وفرصى للعودة أفضل . بدأ الصراخ يقل ، وعنا لى هذا أن الكثير رحل . قريباً وينسونى ، كما نسوا أن الأصل هو الميت ، وأن الحياة ما هى إلا حادث بين الموتتين . لم يتعجبوا دائما حين يعيدنا الموت إلى أصلنا ومهدنا الحقيقى ، كان الأولى أن تأخذهم المفاجأة من الحياة ..! الصراخ أختفى تماماً . والصمت يصرخ بطريقته ، لولا صوت أوراق الشجر تتساقط لقُلتُ أن الكون ميتُ بالخارج !رجلى أصبحت ثقيلة جداً ، لم أفكر بالرحيل بها ، تمنيت فقط أن أهرش فيها بأصبع قدمى الأخرى !بدأ الظلام يكثر ، أدركت أن للميتين أموراً كثيرة مسموحة بها ..قدمى ثقيلة جداً ..لم أكن أفكر بالرحيل بها !
حين خرجتُ وجدت الضوء الشديد فلم أفكر أن أفتح عيناى لمدة طويلة ، وأكتفيت بالبكاء ، وقابلوا بكائى بلهفة شديدة وفرح سعيد ..عجيب ! داخل رحم أمى المظلم رأيت أهوالاً ، جعلت جسدى هكذا . ولغتى أمست غير مفهومة . وأنا الوحيد الذى أفهم ماذا أريد أن أقول لهم .. أريد تحذيرهم ! -وااااااااااااااااااااااء ! - جميل.. جميل جداً -يشبهنى أليس كذلك ؟! -بل يشبه بابا ..هاهاها !
شعرت بخيبة أمل لا مثيل لها . لأنها الأولى فى حياتى ! لم أكن أدرك أن شعورنا بالصدمات يقل تدريجيا كلما تعرضنا لها ، وكأن أحساسنا أُصيب بالبرود لأجل الحفاظ على صاحبه أو على نفسه أولاً !! لم تقل رغبتى فى أخبارهما ، بعد أن أستطعت تحريك أطرافى قليلاً او السير على أربع ! كلما حاولت قول أسرار رحلتى المجهولة لهما إلى هذا الكون المجهول لى صرخ الرجل الذى يشبه أبى قائلا : -بااااااااااااااااابا يحب ميدو ! ترتسم على وجعى كل علامات الضحك وأريد أن أقول بابا أبله ! يا رجل ، وأنا الذى عانيت الكثير لأجل أن أجلس مجلسى هذا معكم ، وأنت تظننى أحد الألعاب ! حسناً ..حسناً سأقول لك سرى يا بابا ..سأقول ما نسيتوه يا .. -مـ..ـا مـا ! -لقد نادانى ..لقد نادانى ! -أجعليه ينادينى مثلك !
وكأنكم أحببتم جهلكم ! يا أبى ويا أمى ، تذكرا ..عليكم ذلك .. أو دعونى أذكركما ، أتعلمان من أين أتيت ؟! المشوار مرهق ومظلم ولكنه ليس مخيف ، فقط هو النسيان الذى أخفاه عنكما ..لو تذكرتما لأحببتما الأمر كثيراً ..لو تخيلتما لأمسكتما رقبتكم لأجل منع الروح من المغادرة وكأن ذلك يمنعها ! كلما حاولت قول الحقيقة لكما وضعتما الكثير من الطعام فى فمى ! لن يمنعنى هذا ..لن يمنعنى ! صحيح أن المشوار جعلنى ضئيل الحجم حتى ظننتم وكأننى وليد جديد ! ولكن الأيام تزرع بداخلى القوة وقدرتى على الكلام بدأت تعود إلىّ ..حتى أننى لم أعد أمشى على أربع ! أدخل غرفتكما ..أراكم تقبلان بعضكما ، أعود للخلف خطوات ..أصدم أى شىء لأجل أخباركما بقدومى ، تنادون علىّ ، أدخل فأجدك يا بابا تقرأ أحد الكُتب ! تقول لى ماما : هل أنهيت واجباتك ؟ أقول فى سرى : ما هذه الغلظة وأنا الذى قلبى عليكم ! - ليس جميعها ..ولكن ..أردت - هيا ..أذهب ..أذهب لتنهى واجباتك ! كعادة صوت بابا القوى يرعبنى فأغادر الغرفة مسرعاً ،أكاد أدخل غرفتى ، تعاودنى الشجاعة مرة أخرى ، فأعود إليكما فأجد الباب تم أغلاقه ..! فى صباح الغد بعد أن أرتديت ملابسى جلست على فراش بابا أنتظره لكى يقلنى إلى المدرسة ، بعد أرتدائه لملابسه وإنهائى لكوب الحليب وجدت أقدامك تدوس على كتاب الأمس الملقى بجوار الفراش ..!
تنهرنى بشدة حين حاولت أن أفتح معك موضوع المجهول والعالم الأخر ..! ظننتنى أتحدث عن الجان وأمنا الغولة ! ترانى صغيراً فى عينيك إلى هذا الحد ! قلت لى أن كلها خرافات ، قلتُ : نعم يا أبى هى كذلك ولكن .. قلت : لا للكن ! بعد أيام ؛ أى عندما مررتُ بالثانوية العامة ، بدأت أتناسى سبب قدومى إلى هذا العالم ! يبقى فى ذاكرتى كل نهرك لى حين أحاول أخبارك بخوفك ! وخوفى لم يكن سوى الحقيقة . وربما كان السبب هو أن العالم أصبح جميلاً فى عينى ، أو أننى رأيته جميلاً لأتناسى رفضك لسماعى ، أو ربما أنا نسيتُ كنسيان كل الأحياء !
الأصل هو الموتُ لو يتذكر الجميع ذلك لربما قلل ذلك من حزنكما علىّ ! تراكم تحزنون علىّ أم على أنفسكم ! أحتياجكما لى كان أمراً أراه دائما فى أعينكما ! حين كُنت طفلاً كنتُ سبب سعادتكما ! كالدمية تماماً . حين كبرتُ قليلاً حاول كل منكما أن يحقق حلمه فىّ وأتسائل : لم تفشلون فى أحلامكم وتتركون على عاتقى تحقيقها ! تراكم حزنتما علىّ أم على أنفسكما لأنكم أعتدتما وجودى فى حياتكم ! وربما الضمير ! قبل الحادثة أتذكر ماما حين قالت لك : أبطىء من سرعة السيارة قليلاً ! نهرتها بشدة وكأنك تنفذ أوامر الموت بدقة فصمتت لنهرك إياها وقالت : كما تشاء ! كما من يشاء يا ماما ؟ ..مشيئة الموت أم مشيئة أبى وأيهما تابعة للأخرى ! نعم ..ظهرت أمامنا فجأة تلك السيارة ! ربما كان الأخر المخطىء ..ربما تقنعون أنفسكم بذلك ! خرجتما معافين تماماً ولا أعلم كيف ! وكنت أنا الذى أحتضر ، فى لحظاتى الأخيرة فكرت أن أخبركم عن فلسفتى عن الموت تلك التى جئت لأخبركم أياها ،حاولت أخباركم بصوتى المقتول من الحياة ولكنك أوقفتنى عن الحديث كعادتك ، وكانت الحجة هذه المرة ، أن الحديث مضر لى ! وأراكما ترانه مضراً لكما !
أيام من موتى وعودتى من ذاكرتى التى عشتُ فيها حتى ظننتنى عُدت حقا إلى العالم مرة أخرى ، حقاً للميتين بعض الأمتيازات الجيدة ، والأقتراب من الموت يجعلنا نرى الحياة بشكل أخر فما بالكم بالموت نفسه ! هل فشلتُ فى إخباركم ..؟! أم ربما أقترابكم من الموت جعلكم تدركون الحقيقة لو أدركتم الحقيقة ما سمعتُ بكائكم علىّ .. كفى أرجوكم ..هو يؤذينى ..هو يؤذينى . أبى ..أمى .. هل أنتهى العزاء ؟!(تمت) __________________ | |
|